23‏/7‏/2016

دليل العلاقة بين داعش (الدولة الاسلامية) والاستخبارات الأميركية


بسم الله الرحمن الرحيم

في هذهِ السنة 2014م كان من المقرر تنفيذ التزمت بهِ اكثر من 100 دولة بإنشاء دولة تسمى (العراق والشام الاسلامية) على غرار حكم دول الخليج العربي وبتمويل منهم.
وحدودها من داخل محافظة صلاح الدين العراقية مع الانبار والموصل الى داخل سوريا دير الزور والرقة وحلب واللاذقية الى البحر المتوسط ولكن دخول داعش على الخط ومن ثم اصدار فتاوى الجهاد الكفائي اسقط هذا المشروع لقسيم الدول على اساس طائفي وعرقي.

وكما ذكر جاسم محمد في التقرير الخاص بمركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط: إن العلاقة بين وكالات الاستخبارات والمجموعات المسلحة باتت معروفة، وكثيراً ما تستخدم الوكالات المجموعات المسلحة ورقة ضغط محلياً واقليمياً ودولياً.
وهذا يشمل الحركات القومية واليسارية ثم التنظيمات (الجهادية) وأبرزها تنظيم القاعدة ثم تنظيم زرع بذرتهُ ابو مصعب الزرقاوي (داعش) ـ أو (الدولة الإسلامية). والتنظيمات القاعدية (الجهادية) ظهرت على المشهد السياسي في أعقاب حرب أفغانستان وإخراج الاتحاد السوفياتي منها عام 1989.

والعلاقة ما بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والقاعدة بزعامة بن لادن أنذاك كانت علنية وحصلت على الدعم العسكري والمالي، هذه العلاقة كانت تتحكم بها وكالة الاستخبارات المركزية أكثر من البنتاغون، فهي كانت تسير بمسارين الأول عسكري والثاني استخباري، فلا توجد عملية عسكرية بدون استطلاع وجمع معلومات.
فالقتال بالوكالة أسلوب القتال بالوكالة هو أسلوب وطريقة عرفت بها الولايات المتحدة واشتهر بها الجنرال ديفيد بترايوس في العراق 2005 رغم أنها كانت من قبل في الصومال ودول أخرى.
فكان تنظيم القاعدة ومجموعات (التوحيد والجهاد) في أفغانستان بزعامة بن لادن ومؤسسها عزام الأحمد، تمثل مجموعات مرتزقة تقاتل بتوجيه وإدارة مباشرة من واشنطن في مواجهة المد الشيوعي.
عملت الولايات المتحدة في أعقاب انتهاء حرب افغانستان الاولى واخراج الاتحاد السوفياتي آنذاك، على تغيير مسار القاعدة، فبقيت طالبان صاحبة الأرض.
أما القاعدة فأصبح تنظيماً عائماً من دون جغرافية محددة، وهذا ما جعله يضع عولمة الجهاد على رأس أولوياته ليتجاوز عقدة الوطن والأرض.

هذه العولمة ربما كانت وراء استمرار تنظيم القاعدة، الجيل الأول في أفغانستان للفترة من عام 1989 حتى ما بعد حرب 11 سبتمبر 2001.
وهذا التاريخ أصبح منعطفاً في مفهوم الإرهاب وتعريفاته وفي تقنية الإرهاب والإرهاب المضاد الذي بدأ يشهد تسارعاً على مستوى الأرض وعلى الشبكة الافتراضية، لتجمع القاعدة والتنظيمات (الجهادية) ما بين (الجهاد) و(الجهاد الإعلامي) الافتراضي على شبكة الانترنت.
وكالة الاستخبارات المركزية كانت تمسك بقيادات القاعدة من الجيل الأول، وأصبحت معتقلاتها مراكز تفريخ لعملاء داخل (القاعدة) والتنظيمات (الجهادية).
وظهر ما بعد أحداث 11 سبتمبر مفهوم استخباري جديد وهو النقاط السوداء، أي نقاط ترحيل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية بنقل مطلوبين في عمليات إرهابية وبعض هذه النقاط كانت ولا تزال تستخدم ليس بالترحيل بل في الاستجواب والتحقيق من خلال وجود خلايا تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في تلك الدول.

هذه الدول شملت بعض دول أوروبا، وخاصة بولندا والباكستان في آسيا. وهنالك دول عربية حليفة لواشنطن لا تزال فاعلة بالتعاون الاستخباري، والمحاذير في هذه العلاقة التي تحرص واشنطن على عدم الاعلان عنها، كونها تتضمن عمليات ترحيل سرية في طائرات خاصة بين النقاط السوداء.
يضاف إلى ذلك، ان الوكالة تتبع الكثير من وسائل التحقيق التي يتعارض مع قوانين الولايات المتحدة ويرفضه الكونغرس الأميركي.
وقد ذكرت شهادات بعض المعتقلين في اليمن وكذلك التقارير الاستخبارية بأن هنالك أكثر من تنظيم (قاعدة) على سبيل المثال في اليمن.
كان هنالك القاعدة التنظيم المركزي و(قاعدة) تابعة للنظام يعمل وفق أجندة تفرضها السلطة وهنالك تنظيم (قاعدة) تابع لوكالة الاستخبارات الأميركية.
هذه الأضلاع الثلاثة للتنظيمات القاعدية هي مختلفة في الأهداف لكن هناك تداخلاً بالمصادر وهناك دور مزدوج لبعض القيادات، هم يرفعون راية (الجهاد) لكنهم عملاء للسلطة أو لوكالة الاستخبارات المركزية.
شهد العراق تجربة (تدمير البنية التحية) تفكيك الدولة العراقية عام 2003، وسيطرت واشنطن على العراق حتى نهاية عام 2011 تاريخ انسحاب قواتها.
والمعلومات من داخل دوائر التحقيق في وزارة الداخلية العراقية أشارت إلى أن الولايات المتحدة كانت تحجب المعلومات الاستخبارية عن وزارتي الداخلية الدفاع العراقيتين، ولم يكن هنالك أي تنسيق في تبادل المعلومات.
السجون والمعتقلات كانت تحت سيطرة القوات الأميركية وأبرزها سجنا أبو غريب وبوكا في بغداد. لقد شهد سجن أبو غريب الكثير من الفضائح، البعض منها كان مقصوداً بتأجيج التنظيمات القاعدية واستقطابها الى العراق، لكي يتحول العراق ما بعد عام 2003 الى أرض استقطاب قاعدية ومنخفض (جهادي) يقصده المقاتلون الأجانب من كل الجنسيات وتحت أعين وسيطرة الولايات المتحدة.

إن تسريبات الصور من داخل سجن ابو غريب والمعتقلات الأخرى كانت مقصودة، هذه الصور استقطبت الكثير من المقاتلين الأجانب والعرب الى العراق.
ونجحت واشنطن خلالها من تغيير بوصلة (القاعدة) من العدو البعيد الى ان يكون تنظيم القاعدة وهو بيضة الخليج بعد ان فقست اصبحت ماكينة قتل محلية وإقليمية وظيفتها مطاولة الفوضى وشل الأنظمة.
لذا لم يشهد الغرب بعد عام2006م أي عملية نوعية للقاعدة. بعض قيادات القاعدة ومن ضمنها (داعش –  الدولة الإسلامية) حتى اعلان انفصالها من مظلة الظواهري هم من معتقلي السجون والمعتقلات الأميركية، حيث تقوم وكالة الاستخبارات بإعادة تنظيمهم وتجنيدهم داخل هذه التنظيمات.
التجربة الليبية وإسقاط معمر القذافي عام 2012م  تصدرتها قيادات (قاعدية) كانت في معتقل غوانتناموا أو مطلوبون على قائمة الإرهاب أبرزهم عبد الحكيم بلحاج وأبو انس الليبي وقيادات أخرى، تمسك بهم الاستخبارات وتطلق سراحهم وفق حاجتها.
وأبو بكر البغدادي واسمه ابراهيم عواد ابراهيم بو بدري بن عرموش له كنيتين الاولى: ابو عواد. والثانية: ابو دعاء. وأما كنية (أبوبكر) فهي كنية وهمية لقب البغدادي لقب حركي وليس حقيقي.
وابراهيم عواد ليس من بغداد وعروق عشيرته تعود لسامراء وعمل في الفلوجة وامام لمسجد بديالي لا يحمل البغدادي شهادة الدكتوراة وانما تقدم بطلب قبول بحث لاكاديمية غير معترف بها في التعليم العراقي.
أبو بكر البغدادي ـ ابراهيم البدري، الذي بات يعرف الآن باسم (أمير المؤمنين) في (الدولة الإسلامية) كان أحد سجناء معتقل بوكا في العراق تحت السيطرة الأميركية ولم يكن محتجزاً في المجمع رقم 14 الذي كان مخصصاً للمعتقلين الأكثر تطرفاً والأكثر خطورة، بحسب المعلومات، بل كان واحداً من بين آلاف السجناء في سجن بوكا.

ووفقاً لتقارير رسمية من وزارة الدفاع الأميركية، فقد تم سجن أبو بكر البغدادي من شهر شباط – فبراير إلى شهر كانون الأول -ديسمبر 2004م ثم تم تسليمه إلى السلطات العراقية التي أطلقت سراحه لاحقاً.
وعلى الفور بدأ بعد ذلك الصعود داخل جماعة (أنصار السنة) ثم (مجلس الشورى للتوحيد والجهاد) عام 2006 بزعامة من يمثل أبي مصعب الزرقاوي (مات عام2000م) ليكون الرجل الثاني في تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) الذي تحول الآن الى (الدولة الإسلامية) ليكون زعيم التنظيم عام 2010م بعد مقتل أبو عمر البغدادي.
إطلاق سراح أبو بكر البغدادي
إن اطلاق سراح أبو بكر البغدادي من معتقل بوكا بهذه الطريقة وتركه من دون مراقبة، يرجح استخبارياً اخضاعه الى عملية تجنيد وإعادته الى وسط (الجهاديين).
وقال المستشرق الروسي فيتشيسلاف ماتوزوف في هذا الصدد إن كل الحقائق تشير إلى أن البغدادي مرتبط بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ومن الواضح أنه خلال سنوات السجن تم إشراكه ضمن مخططات الوكالة الاستخباراتية بشكل أو بآخر، وأن احتمالات وجود علاقة بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية و(داعش) يمكن أن تكون واحداً من الأسباب الرئيسية التي تجعل الولايات المتحدة ليستفي عجلة من أمرها لتسليم العراق ما تم الاتفاق عليه من طائرات (ف 16).

إذ يأمل العراق أن تكون هناك ستة أسراب من طائرات (أف 16) إلى جانب الأسلحة والمعدات الحديثة، ولا يتوقع أن يكون أول سرب جاهزاً للخدمة حتى أيلول – سبتمبر 2016 .
ولم يقم البنتاغون لحد الآن بتوجيه أي ضربة مباشرة الى (داعش) في العراق سوى ضربة تمويه هنا وهناك (مثلاً طلعة جوية لضرب داعش فالطائرة تحمل عدة صواريخ تضرب واحدة للهدف او اثنين والباقي ينزع من الطائرة ليباع في سوق السلاح الاسود). فالتنظيم يتنقل بسهولة وبشكل واضح ويقيم الاستعراضات وينقل الأرتال عبر الحدود العراقية – السورية.
لكنه لحد الآن لم يتعرض الى أي ضربة عسكرية برغم سيطرته على مجمع المثنى الذي يضم مقذوفات تحمل مواداً كيميائية لم يتم تدميرها من قبل ومواد كيميائية ربما بعضها صالح لاستخدامه في هجوم كيميائي.
لكن يرغم تقليل واشنطن من خطورة السيطرة على منشأة المثنى فإنها تبقى موضع تهديد. وعلى أي حال، فإن (الدولة الاسلامية) لديها القدرة على استخدام المواد الكيميائية منها الكلور وغيرها ممن تهربها الدول الى العراق وسوريا.
وهذا يعني أنها لا تتردد من استثمار قدراتها بإعادة استخدام المواد الكيميائية في المثنى. وما حدث في الموصل يبدو أنه بمباركة واشنطن ولندن وتل أبيب.
فقد كشف الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن أن الوكالة وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة في جهاز الموساد الإسرائيلي قد مهدت لظهور تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) المسمى (داعش).
ونقلت مصادر تسريبات عن سنودن تؤكد تعاون أجهزة استخبارات ثلاث دول هي الولايات المتحدة، وبريطانيا وإسرائيل لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بـ(عش الدبابير).
ويتمتع سنودن بمصداقية جيدة وما صرّح به وسرّبه من معلومات كانت معلومات دقيقة وهذا ما يدعم العلاقة المحتملة ما بين الوكالة و(الخليفة) المزعوم أبو بكر البغدادي.  
إغفال البغدادي
إن ظهور البغدادي علناً من على منبر جامع الموصل الكبير يوم 4 تموز – يوليو 2014 وهو يؤم المصلين في صلاة الجمعة والجماعة لوقت طويل بعد أن حضر بصحبة أرتال حمايته وسيارات الدفع الرباعي، من دون تعرضه الى أي ضربة من قبل سلاح الجو الاميركي يثير الكثير من التساؤلات.
لقد استطاعت الوكالة المركزية وبالتعاون مع البنتاغون من اقتناص قيادات القاعدة وطالبان في اليمن وأفغانستان وأبرزهم العولقي ومحسود.
وعادة تستخدم وكالة الاستخبارات المركزية طريقتها التقليدية باستخدام عملاء الأرض كي يضعوا أقراص تبعث بترددات الGPSGlobal Positioning System يمكن الطيران الأميركي من تحديد الهدف.

ويفترض أن تمتلك الوكالة مصادر معلومات عدة في الموصل وخصوصاً كردستان المدللة منذ غزوها للعراق عام 2003. إن اصطياد قيادات التنظيم يشترط أن يكون من أولويات وكالة الاستخبارات المركزية. لقد كشفت وكالة الأمن القومي استخدامها اعتراض المكالمات الهاتفية عبر العالم لتعقب المطلوبين والشبكات الإرهابية.
ورغم احتمال عدم استخدام (الدولة الإسلامية) شبكة الهواتف خلال صلاة الجمعة، فإن ذلك لا يبرّر غض النظر عن شخصية بحجم البغدادي سبق وأن صنفته واشنطن كإرهابي بموجب القرار التنفيذي رقم 13224 ومن أخطر المطلوبين.
بات ضرورياً الآن أن تتخذ الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي خطوات عسكرية على الأرض ضد (الدولة الإسلامية التي تحولت الى مصدر تهديد ليس الى العراق وسوريا فحسب، بل الى المنطقة والعالم بأكمله.

ويبدو أن تنظيم المسمى (الدولة الإسلامية) في وضع مرتاح ما بعد اجتياح الموصل ومدن عراقية يوم 10 حزيران – يونيو 2014 وانعكس ذلك بإمكانيات إصدار جريدة جديدة باسم (دابق) بنسختين الكترونية بالعربية والإنكليزية وأخرى مطبوعة، وبمعايير وتقنية متطورة.
وفي ذات السياق أعلن عن إمكانيته لتصنيع الأسلحة داخل سوريا مستغلاً خبرات التصنيع العسكري وضباط من الانظمة السابقة داخل التنظيم.
يبقى البغدادي (الخليفة الجديد) والسيناريوا الموافق لهم موضع اهتمام، فهو يتمتع بإمكانيات تسلح وإمكانيات مالية وصلت الى أكثر من مليار دولار، ورغم أن وزارة الخزانة الأميركية حريصة على تتبع الأصول المالية للتنظيمات (الجهادية) وحصر مصادرها، فإن وكالة الاستخبارات المركزية لم تكشف لحد الآن عن أصول التنظيم المالية.

وكل هذهِ التنظيمات هي ادوات استخدمت من قبل مئات السنين فتجد الاسم يختلف ولكن المحتوى واحد. فمثلاً في الجزيرة العربية لما سيطر الملوك على المدن انذاك تم تصفيتهم (المتشددين) بعد ان سيطر الملك على السلطة.

وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات في قضايا الإرهاب والإستخبارات حول علاقة (داعش ـ الدولة الإسلامية) مع وكالة الاستخبارات الأميركية رغم أنها واضحة خارجة عن إطار التحليلات. خاص: 
المصدر من كتاب داعش من الاحداث الميدانية لنشوء دولة العراق والشام الاسلامية - مركز فاعلون للبحوث والدراسات
اضغط هنا لتحميل الكتاب