2‏/4‏/2017

الفطرة التربوية في تكوين الفرد


بسم الله الرحمن الرحيم
الفطرة التربوية في تكوين الفرد
وهي من كتاب المرأة في القران والسنة الفصل السابع الجزء 25 من موسوعة (اتقان القران وعلوم الرحمن) تاليف ساجد شريف عطية.
هناك ضرورة للتربية في الحياة البشرية لوجود قاعدة وهي ضرورة فطرية عندما خلق الله تعالى البشر ثم استخلفهم في الأرض نجد أنه قد سهل لهم سبل الاكتشاف ووسائل التطوير، وسخر لهم في سبيل ذلك ما في الأرض جميعا منه منحة وهبة وحجة.
ولو لاحظنا طبيعة التكوين البشري نجد أنه مجزأ  إلى قسمين قسم مادي يتطلع إلى إشباع رغباته المادية، وقسم يسمو بالإنسان إلى التسامي والترفع عن مشتهيات الجسم.
وقد خلق الله تعالى للإنسان ميزان لضبط هذا النزاع وهو ميزان العقل ، وبه تميز عن بقية المخلوقات و تفوق عليها.
وعن طريق الوعي بإمكانيات هذا العقل والذي أوجده الله تعالى داخل الإنسان عمل على ملاحظة الظواهر الطبيعية المحيطة بـه، وقام بتفسـيرها للإفادة منها.
ونتيجة لذلك دخل في خبرات وتجارب مختلفة تفاعل معها وأحدثت تغير في سلوكه ومعتقداته، ومن ثَم قام بنقل نتائجها إلى غيره، ويسـمي هذا التفاعل المستمر والنشـط بين الإنسان وبيئته بالتربية بغض النظر عن كون هذه النتائج صحيحة أو خاطئة.
ومن المُسلم به أن الاعتماد على ذات الإنسان كمصدر لتحديد القيم والمفاهيم اعتماد غير منضبط يحتاج إلى تدخل إلهي يعيد تقويم الميزان كلما انحنى أو مال عن الاتجاه المرسوم له.
1 - فطرة التربية في تكوين المجتمع :
       خلق الله في فطرة الإنسان التواجد في مجتمعات، وعدم الاكتفاء بالذات المنفردة، بل العيش وسط مجموعة يتفاعل معها وتتفاعل معه.
        وفي كل مجتمع من هذه المجتمعات كان لابد من وضع أهداف عليا يسعى إليها الجميع- وهي ما تستهدف الخير للفرد والمجتمع- وأهداف سفلى - وهي ما تؤذي الفرد أو المجتمع- لابد من الابتعاد عنها وفرض العقوبة لمن يقترفها.
     وقد وجد التفاوت في نسبية الخير والشر على اختلاف الحضارات ، وفي مسميات العقوبات، والجوائز، ولكن اتفق  في جميع المراحل على وجود نصاب من الخير يسعى إليه الجميع، وتذلل في سبيله العقبات، ويكافي من يصل إليه بأعلى الدرجات الاجتماعية، و نصاب من الشر لابد لمن يصيبه العقاب.
ونشير إلى أمثلة مقتبسة من تاريخ البشرية توضح العمق البين بين الحضارات البشرية في اهتماماتها التربوية، والتي نشأت من الاختلاف في القيم التي أرادت أنشاء شعوبها عليها فمثلًا :
ينقل لنا التاريخ وقد اهتمت اسبرطة - وهي مدينة إغريقية كان لها شأن في الماضي البعيد- بتأكيد فضائل النفس والطاعة والتضحية والتحمل والشجاعة. وكل ذلك مغلف في رداء عسكري صارم أراده ساستها وفرضوه على مواطني اسبرطة.
في حين نجد في مجتمع آخر تنحسر النزعة الدينية وتخلى المجال للعناصر الخلقية والفنية كما كان الحال في بلاد العرب القديمة، وفي غيرها من بعض المجتمعات الآسيوية.
نجد أن الصين القديمة سلطت الأضواء على المحتوى الإنساني في الثقافة، كما أن الهند الإبراهيمية مجدت القيم الدينية والفلسفية ، وفي مصر الفرعونية صار الإهتمام إلى القيم الدينية والمهنية[1].
إذا في كل مجتمع توجد مجموعة من الآراء والأفكار والنظريات الصائبة من وجهة نظر فلاسفة وعلماء وأصحاب الرأي لذلك المجتمع ، ويقوم هؤلاء بتقعيدها وحث الناس على التمسك بها أو الابتعاد عنها، وهذا هو ما يعرف بتربية المجتمع.
فالتربية توجد في مجتمع معين له ثقافته وفكره الذي يوجه حياته، هذه الحياة التي نحكمها بمجموعة من القواعد والمعاير التي هي جزء من ثقافة المجتمع التي يعبر عنها.
والفكر التربوي يتأثر بدرجة كبيرة بأبعاد المجتمع الديني، والثقافي، والحضاري، والاقتصادي ، ولهذا فإن أي فكر تربوي إنما يعبر عن وجهة نظر اجتماعية أو بعبارة أخرى يكون هذا الفكر انعكاسا لفكر المجتمع.
2 – ملازمة الفطرة للفرد والمجتمع:
أنتبه البشر بعد مراحل من التاريخ أن من المهم أولا تربية الفرد ومن ثم تربية المجتمع كما قال به لينتون[2]:
إن فهم الدور المزدوج للفرد كفرد وكوحدة في مجتمع ،سوف يعطينا مفتاح الحل لمشكلة السلوك البشري[3].
إذاً التربية ضرورة فطرية للفرد والمجتمع على حد سواء ، فكل مجتمع يحتاج إلى حث النفوس وشحذ العقول نحو أهداف محددة كما أسلفنا لدفع المجتمع لاعتناق هذه الأفكار ومن ثم العمل على تحقيقها لبناء الأرض التي قد استخلف فيها.
ومما لا شك فيه أن هذه الآراء والأفكار والأهداف كلما كانت مستقاة من الكتب الإلهية الصحيحة الغير محرفة على مدار التاريخ البشري تكون التربية لذلك المجتمع أقوم.
وبالتالي الوصول إلى بناء مجتمع متوازن ،يحقق الاستقرار لأفراده كان أكثر توكيد وأقرب ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن أفضل مجتمع حقق التقدم في جميع الميادين ووفر للنفوس البشرية المساعدة المرجوة هو الاسرة والمجتمع الذي بناه النبي J.
ثم المجتمع الذي تلاه وهو خلط بين مفاهيم الرسول J واخرى مغايرة له. ثم الذي تلاه وهكذا الى ادنى مستوى الذي لايعرف من قيم النبي J سوى انه نبيJ. ثم الى مستوى ينتهي به الى نار جهنم (اعاذنا الله منها جميعاَ).
وليست الأفضلية في مجال الدين فقط بل تعددت أوجه الخيرية، فكل علوم اليوم انبثقت من تلك القرون التي حفظت لنا القرآن الكريم والسنة المطهرة. إنه أفضل مجتمع بناه النبي J لكي يحقق التوازن الديني والعلمي والسياسي.
وفي وقت خَيم فيه ظلام العصور الوسطى على الغرب، فإن النهضة الأوربية التي بدأت في النصف الثاني من القرون الوسطى اعتمدت في غذائها الثقافي والفكري على نتاج الثقافة الإسلامية إبان عصرها الذهبي.
ويمكن إثبات ذلك بسهولة من خلال النظر في التربية التي توافرت في المجتمعات القديمة والحديثة على مدار التاريخ البشري والتي سعت جاهدة لتحقيق الأفضلية في تربية الفرد والمجتمع.

المصدر : كتاب المرأة في القران والسنة الفصل السابع الجزء 25 من موسوعة (اتقان القران وعلوم الرحمن) تاليف ساجد شريف عطية.
الهوامش ...............


[1] - تطور الفكر التربوي، الدكتور سعد مرسي أحمد - عالم الكتاب الطبعة الثانية عشر ص28.
[2] - جاء في موسوعة الجياش، لينتون رالْف عالم أمريكي متخصص في علم الإنسان طوّر مفهوم المرتبة ومفهوم الوظيفة، وهما من المفاهيم التي يستعملها كثير من علماء الاجتماع.
ولد لينتون في فيلادلفيا، وفي أثناء دراسته للدكتوراه في جامعة هارفارد، قام بأبحاث في آثار بولينيزيا. وفي الفترة بين عامي 1925م و1927م عاش في مدغشقر ودرس ثقافة المنطقة. ثم التحق فيما بعد بهيئة التدريس بجامعة وسكنسن ،وجامعتي كولومبيا، وييل.
[3] - تطور الفكر التربوي ص33